حجر رشيد عبارة عن بلاطة جرانيتية تحتوي على مرسوم صدر عام 196 قبل الميلاد. ويشهد محتوى الحجر المكتوب باللغات الهيروغليفية والديموطيقية واليونانية القديمة، على كرم وتقوى الفرعون بطليموس الخامس (205 - 180 قبل الميلاد)، حاكم مصر في وقت كتابة النص. ونظرًا لتكوينه النادر متعدد اللغات، فقد أتاح اكتشاف حجر رشيد في مصر عام 1799 للمؤرخين وعلماء الآثار واللغويين فرصة فريدة لاستخدام محتويات الحجر لفك شفرة اللغة المصرية القديمة التي كانت مفقودة، بالرغم انها كانت مخبأة على مرأى من الجميع على جدران المقابر والمعابد في جميع أنحاء مصر - لما يقرب من 2000 عام بعد كتابتها ونطقها آخر مرة.

السياق التاريخي للحجر 

أدت فتوحات الإسكندر الأكبر في عام 330 قبل الميلاد إلى سيطرة اللغة اليونانية على اللغة المصرية الأصلية، وأصبحت هي اللغة الأساسية المستخدمة بين الطبقات الحاكمة والتجار في مصر، حيث تنحدر الأجيال المتعاقبة من المقدونيين العرقيين الناطقين باليونانية من أحد جنرالات الإسكندر - الذي أصبح فيما بعد بطليموس الأول، الذي بدأ حكم مصر بعد تفكك وتقسيم إمبراطورية الإسكندر. بحلول مطلع القرن الثاني قبل الميلاد، لم يحافظ سوى جزء صغير من سكان مصر، بما في ذلك كهنة الديانة القديمة، على اتصال وفهم جيد للغة الأصلية القديمة للمنطقة وأحرفها الهيروغليفية الفريدة.

كانت مصر في حالة اضطراب خطير عندما اعتلى بطليموس الخامس العرش وهو في الخامسة من عمره بعد مقتل والديه، على الأرجح على يد أفراد من البلاط الملكي. لقد حكم أسلافه خلال واحدة من أكثر الفترات انقسامًا في التاريخ المصري، حيث أصبح متوسط ​​العمر المتوقع للفراعنة في تلك الحقبة أقصر بشكل متزايد وأصبح حق من يحل محلهم في الحكم عرضة للتدقيق المتزايد. ولهذا السبب، في عام 196 قبل الميلاد، عندما بلغ الفرعون الشاب سن الرشد وانتهى عهده، قام الكهنة وأنصار بطليموس الخامس بحملة دعائية جريئة للإعلان بقوة أنه كان بالفعل حاكم مصر الشرعي وال مفوض إلهيًا. وبالإضافة إلى "لغة الآلهة" (أي الهيروغليفية) و"لغة الوثائق" المعروفة اليوم بالديموطيقية، فقد كتب الإعلان أيضًا "بلغة اليونانيين" الذين كانوا يشكلون النخبة المصرية في ذلك الوقت. 

ومن المرجح أن نسخًا من هذا المرسوم المحفور على الحجر قد تم نشرها على نطاق واسع في جميع أنحاء مصر وعرضها في مواقع مهمة لتسليط الضوء على شرعية حكم بطليموس الشاب. لكن لم يبق اليوم سوى جزء كبير واحد فقط من المرسوم الحجري الأصلي، سُمي على اسم المدينة التي وُجد فيها - رشيد الحديثة.

اكتشاف الفرنسيين لحجر رشيد 

كجزء من استراتيجية بهدف إضعاف الإمبراطورية البريطانية من خلال تعطيل أنشطتها التجارية في الشرق الأوسط والهند، شرع الجنرال الفرنسي نابليون بونابرت في حملة للسيطرة على مفترق الطرق التجارية الهامة في جميع أنحاء منطقة البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك مالطا وسوريا وأوروبا ومصر. 

في عام 1798، وتحت ستار حماية وتعزيز المصالح التجارية الفرنسية في المنطقة، غزا نابليون مصر واحتلها، وحاصرت القوات الفرنسية جميع أنحاء البلاد ، وقام بتوزيع فرق من العلماء والباحثين الفرنسيين لدراسة وتسجيل وجمع ونقل أكبر عدد ممكن من القطع الأثرية القديمة اينما يتم العثور عليها ونقلها. 

خلال هذه الفترة، في عام 1799، اكتشف المهندسون العسكريون الفرنسيون لوح الجرانيت الذي أصبح يعرف باسم حجر رشيد أثناء قيامهم بإصلاحات في حصن بالقرب من مدينة الرشيد المصرية. ويُعتقد أن الحجر عُرض في البداية في معبد بمدينة سايس، ثم نُقل لاحقًا إلى مدينة رشيد لاستخدامه في بناء حصن جوليان، وهو المكان الذي اكتشفه الفرنسيون بعد حوالي ألفي عام من إنشائه.

الرجل الذي يُنسب إليه الفضل في اكتشاف الحجر هو ضابط عسكري فرنسي يُدعى بيير فرانسوا بوشارد، والذي صادف أنه تعرف على التعدد الفريد من اللغات المنحوتة في الحجر وتأكد من الحفاظ عليه كجزء من الكنز الاستعماري الفرنسي المأخوذ من مواقع مختلفة في جميع أنحاء مصر. ولو لم يدرك بوشارد أهمية الحجر العشوائي وقام بإزالته من مواد البناء لحفظه، فمن المؤكد تقريبًا أن مجال علم المصريات بأكمله كما نعرفه اليوم لم يكن ليوجد.

استيلاء البريطانيين على حجر رشيد

بعد سلسلة من الهزائم على يد القوات البريطانية والعثمانية في مصر، تراجع جيش الاحتلال الفرنسي في مصر إلى الإسكندرية، حيث تفاوض القائد العام الذي تركه نابليون مسؤولاً عن الحملة المصرية، جاك فرانسوا مينو، في أغسطس من عام 1801، على استسلام القوات الفرنسية فيما أصبح يُعرف باسم استسلام الإسكندرية.  

من بين بنود اتفاقية الاستسلام كانت المادة 16 ، التي وعد فيها الفرنسيون بتسليم القوات البريطانية المنتصرة جميع "المخطوطات العربية والتماثيل والمجموعات الأخرى" التي نهبها جيش نابليون أثناء غزوه واحتلاله لمصر، وأن هذه القطع الأثرية المسروقة "ستكون... خاضعة لتصرف جنرالات الجيش المشترك". 

تم تكليف عقيد بريطاني (جنرال لاحقًا) يُدعى تومكينز هيلغروف تورنر بمهمة إخراج حجر رشيد من مصر وإعادته إلى بريطانيا على متن السفينة الفرنسية التي تم الاستيلاء عليها إيجيبسيان. وصل الحجر إلى بورتسموث في إنجلترا في فبراير من عام 1802، حيث تم حفظه لأول مرة في جمعية الآثار للمراقبة والتوثيق والبحث والاستنساخ من قبل العلماء في لندن لمدة خمسة أشهر. ثم تم وضع حجر رشيد في المتحف البريطاني في يونيو من عام 1802 حيث ظل منذ ذلك الحين. 

فك رموز الحجر الأولي 

عندما تم نقل اللوح إلى بريطانيا، تم تكليف عالم المصريات توماس يونج بفك رموز حجر رشيد. و بدأ في عام 1814 في تحليل النقوش الهيروغليفية على الحجر وتمكن من استنتاج أن الخراطيش (الكتابات الهيروغليفية ذات الأشكال البيضاوية) تحتوي على تهجئات صوتية للأسماء الملكية.

في عام 1822، انضم عالم اللغويات الفرنسي جان فرانسوا شامبليون إلى يونج ، الذي استطاع أن يُظهر لأول مرة في التاريخ الحديث أن الهيروغليفية كانت في الواقع مزيجًا من العلامات الصوتية والإيديوغرافية. كان يُعتقد في السابق، أن الكتابة الهيروغليفية هي كتابة رمزية للصور، لذا فإن اكتشاف شامبليون أتاح فهمًا أكثر شمولاً للمرسوم الذي كان محفورًا على الحجر قبل آلاف السنين. 

كما أدرك شامبليون أن الهيروغليفية القديمة سجلت صوت اللغة المصرية القديمة، وهو ما أعلنه رسميًا في ورقة بحثية بأكاديمية النقوش والآداب الجميلة بباريس عام 1822.

إذًا ما الذي يوجد بالفعل على حجر رشيد؟ 

إن حجر رشيد هو مجرد جزء من لوحة أكبر بكثير تم عرضها في الأصل في مكان آخر في مصر، على الأرجح في مدينة سايس القديمة. على الرغم من أن الحجر الأصلي الكامل كان أكبر بكثير، إلا أن الجزء الباقي يبلغ ارتفاعه 44 بوصة (112 سم) فقط، وعرضه 33 بوصة (84 سم)، ويزن حوالي 1680 رطلاً (762 كجم). 

يتكون النص المتبقي من الحجر من أربعة عشر سطرًا من الرموز الهيروغليفية، واثنين وثلاثين سطرًا من الكتابة الديموطيقية، وأربعة وخمسين سطرًا من النص اليوناني. وعلى جانبي الحجر، أضيفت عبارة "استولى عليها الجيش البريطاني في مصر عام 1801" و"قدمها الملك جورج الثالث" بعد أن استولت القوات البريطانية على الحجر من الفرنسيين.

بالإضافة إلى كونه وسيلة للدعاية الملكية في العصر البطلمي، يؤرخ حجر رشيد قائمة من التغييرات الإدارية والمجتمعية التي نسبها الكهنة إلى الفرعون الشاب والقائمين على رعايته. يبدأ الكتاب بمديح مطول لعمل بطليموس الخامس ووالتأكيد على أنه جلب ازدهارًا كبيرًا لمصر. يدّعي الحجر أن الفرعون الشاب ألغى الضرائب، وأطلق سراح السجناء، واستثمر مبالغاً كبيرة في ترميم المواقع التاريخية المهمة. ويشير النص الموجود على الحجر أيضًا إلى الملك باسم " الإله بطليموس ابيفانيوس إفخاريستو " وبأنه "محبوب الرب بتاح". يبدأ المرسوم بتمجيد ومدح طويل لأعمال بطليموس الخامس ويشير إلى أنه جلب الرخاء لمصر، ويقول المرسوم الموجود على الحجر أن الملك ألغى الضرائب وأطلق المساجين واستثمر مبالغ ضخمة من المال في تجديد أو ترميم أماكن تاريخية مهمة، ويشير النص إلى الملك بـ "الإله بطليموس أبيفانس يوكاريستوس" وبـ "محبوب بتاح".

ومن المثير للاهتمام أن النص ينتهي بالتأكيد على أن المراسيم التي تصدر يجب أن تكتب على الحجر وتنصب في جميع المعابد إلى جانب تمثال بطليموس الخامس، تقديرا لعمله العظيم واعتقادا بأنه سيعيش إلى الأبد. وبالنظر إلى أن بطليموس هذا على وجه التحديد قد اعتلى العرش في مثل هذه السن المبكرة، وكان تحت سيطرة الأوصياء لجزء كبير من حياته وحكمه، وتوفي صغيرًا نسبيًا، فمن المحتمل أنه كان قد نُسي إلى حد كبير في تاريخ الحضارة الطويل لمصر لقديمة لولا حجر رشيد. 

في النهاية، أكد اكتشاف حجر رشيد أن إرث بطليموس الخامس لا يستمر في العيش فحسب، بل إنه في الواقع يمثل الآن حلقة الوصل الحاسمة بين ماضي مصر وحاضرها - على غرار فرعون مشهور آخر شبه منسي والذي حكم ومات صغيرا أيضا. 

هل ترغب في دعم حملة إعادة أشهر قطعة أثرية منهوبة في العالم؟

هناك أربع طرق مباشرة يمكنك من خلالها مساعدة الحملة العالمية لإعادة حجر رشيد إلى مصر.
1. قم بالتوقيع على العريضة
2. احصل على قميص (أو 2)
3. انضم إلينا في إحدى الفعاليات
4. شارك الحملة
We need you